www.almasar.co.il
 
 

شوقية عروق منصور: حكايات من تحت تراب غزة!

لا أسمع الانتحاب ولا أصوات البكاء ولا أرى الدموع ولا أرى الوجوه التي...

شوقية عروق منصور: الدمى مربوطة خلف الدبابة!!

أذكر عندما وقعت حرب 48 وكانت أخبار وحشية عشرات المجازر الإسرائيلية قد...

شوقية عروق منصور: الطيران في سماء غزة

عندما زرت مدينة غزة في التسعينات وتجولت في شوارعها العريضة ودكاكينها...

لينا ابو مخ/ الزواج المبكر بين القانون والمجتمع

اعتبرت المرأة في طور أول من تاريخها، أما في المقام الاول، اي تلك التي...

منحة 23 ألف شيقل عند بلوغ سن 21 هدية من الدولة

علم مراسل موقع وصحيفة "المسار" انه بتداء من شهر كانون الثاني 2017 ستقوم...

عطر 2020 من Montblanc للرجال

تقدم دار العطور الفرنسية Montblanc عطر Legend Eau de Parfum، وهو إصدار أقوى وأكثر...
  هل تعتقد ان الحكومة الجديدة ستساعد في الحد من جرائم العنف في المجتمع العربي؟

نعم

لا

لا رأي لي

ام الفحم 22-32
الناصرة 31-20
بئر السبع 33-21
رامالله 32-22
عكا 29-23
يافا تل ابيب 29-24
القدس 32-18
حيفا 31-23

شوقية عروق منصور: قصة قصيرة: ألو.. أنا فلسطين...!!

التاريخ : 2014-11-28 09:40:00 |



ألو انا بنت عمك فلسطين.. بحكي من السويد.. !!
في تعرجات الذاكرة صور لطفلة صغيرة ذات شعر أشعث ووجه تشبه ملامحه ملامح وجوهنا، وكلما نظرنا الى الصورة المثبتة فوق المرآة الكبيرة الموجودة في غرفة جدتي تؤكد جدتي بقولها: فلسطين بتشبهكوا مع أن امها شامية.. !! منيح إبني اللي تزوج غريبة...!
وتغمز بعينها لأمي، التي يجن جنونها لأن خالتي أي شقيقتها كانت العروس الموعودة للزواج بعمي، الذي ترك القرية بعد دخول اليهود اليها. وتضيف جدتي فلفل الكلمات، والتي تعرف أن رشة منه قد تشعل وتلهب نار الحماة والكنة.. من حظه ومن سعدوا ..!! اراد الله له السعد والهنا، اللي بدو يعيش عيشه هنية يوخذ شامية..!!
وتشتعل الأجواء بالمعايرة الجغرافية: من أفضل الزوجة الفلسطينية أم السورية؟! ولا تنطفىء إلا حين يتدخل جدي بصوته الذي يغلق به أبواب المعايرة، ويدفع أمي الى غرفتها وجدتي الى غرفتها، حيث يقسم بنبراته العالية انه سيتزوج مصرية حتى يقهر ويكيد زوجته ورجال العيلة..!
ألو.. سامعتيني..؟! يغيب الصوت. سامعتيني.. أنا فلسطين بنت عمك..؟!
في آخر الكرة الأرضية، في هذه البقعة النائية الباردة التي غرفت من البرودة والثلج حجارة وبنت بيوتاً للدفء، تكون المحطة التي ازهرت على عتبتها نباتات الهروب من الوطن الثاني سوريا. لقد علمنا من بعض الأقارب أن اولاد عمي سافروا بعد الأحداث الى اوروبا. تشتّتوا في كل مكان، لكن عمي رفض الخروج من مخيم اليرموك.. رفض الخروج، قائلاً لهم إن خروجه سيكون فقط الى فلسطين..!!
ألو سامعتيني..؟! يا لله..! الصوت بغيب..! سمعتها وهي تحاول الكلام، لكن الحروف تتقطع. لا استطيع جمع الحروف.. انقطع الخط..!!
السويد .. هل كان عمي يضع الوطن السويد في اجندته، في نزيفه، في معطفه الكاكي الذي ما زال يحتفظ به؟! ضحكنا عندما ارسل لنا رسالة مع احد الزوار الذين كانوا يزورون الوطن خلسة وتحت عناوين عديدة.. في رسالته التي اتسخ ظرفها من كثرة ما نقلها الزائر في جيوبه، كتب عن معطفه العسكري الذي سرقه من جندي بريطاني، سرقه عندما كان يعمل عتّالاً في ميناء حيفا. صعد الجندي الى الحافلة وقد نسي المعطف على احد البراميل المركونة على الرصيف. اخذه عمي بسرعة. لقد رأى الجندي الذي عاد الى الرصيف يسأل عن معطفه، وعندما يئس من ايجاده عاد الى الحافلة. لقد ارتدى المعطف في تلك الليلة، التي اشتد فيها القصف على القرية، فقد كان البرد يقص المسمار.
في تلك الليلة، خرج مع اصدقائه المقاتلين للدفاع عن القرية وهو يرتدي المعطف. ضحكوا رغم الخوف.. انهم يحاربون اليهود وهو يرتدي معطفاً عليه العلم البريطاني..!!
المعطف يرافقه ليلاً وهو يتنقل بين المقاتلين. بارودته أيضاً دافئة، فها هي تحت المعطف تنتظر اللحظة لإطلاق رصاصها. لقد رأى الحسد في عيونهم، لذلك قرر ان يعطي المعطف كل ليلة لمقاتل، وأصبح المعطف يتنقل. لكن في الليلة الأخيرة، حين هجم اليهود على القرية وأخذوا يطلقون الرصاص على كل من يصادفهم، وطلبوا رفع الرايات البيضاء وإلا قتلوا الجميع، وسرت شائعات أن اليهود سيقتلون كل من قاتل ضدهم، كان عمي مرتدياً المعطف وهارباً في اتجاه لبنان..!!
اختفى عمي. لم يعلم احد أين هو. لم يترك جدي رجلاً في القرية إلا وسأله عن عمي. جن جنون جدتي، التي وجدت نفسها في بيت لا تعرفه وفي قرية تبعد عن قريتها عدة كيلو مترات، فقد نسفوا البيت وأخذوا الأرض، ونقص ابن من ابنائها. كان خوفها يسوّل لها أن اولادها ينقصون. كانت تعدّهم قبل النوم وفي الصباح، تسعة.. بعد أن كانوا عشرة..!
رنّ التلفون مرة أخرى. هرعت.. ألو.. سامعتك.. أنا فلسطين من السويد.. أنا فلسطين.. انقطع الخط..!
بعد سنوات وصلت لجدي رسالة من عمي.. تقول امي ان الفرح كان ينط من النوافذ ومن سقف "العقد" ومن كانون الجمر وأباريق القهوة.. كانت جدتي تقول: سوريا.. أي بلد.. المهم دولة عربية.. كل شي ولا الموت..! جدي طلب من جدتي أن تطمئن الآن.. يكفي بكاء..! وعرفنا بعد ذلك أنه تزوج شامية وأنجب منها أبنته البكر فلسطين..!
رنّ التلفون مرة أخرى.. الو.. أنا فلسطين بقلّك إنو أبي وجدوه ميت في مخيم اليرموك.. اسبوع وهو ميت.. بالصدفة وجده أحد الجيران.. بعد القصف اراد ان يطمئن عليه..! واخذت فلسطين تولول: لقوا منتفخ.. دفنوه قبل أن يراه أحد.. حتى امي التي تعيش مع أخي في بريطانيا اليوم عرفت. جنّ حنونها.. قولوا للعائلة.
اغلق الخط، كأن فلسطين كانت في مهمة صوتية.. مات عمي.. جدتي كانت تقعد على العتبة أمام باب "العقد" في آخر أيامها وتغني بصوتها الحزين:
طلّت البارودة
والسبع ما طل
يا بوز البارودة
من الندى مبتل
وهي تحتضر.. ضحكت وقالت بصوت هامس: شفتو أجا..! وأشارت الى صورته المعلقة أمام سريرها. ومات جدي قبل أن يراه، مع أن احد المتعاونين مع السلطات اكد له انه يستطيع ان يراه.. يستطيع أن يأتي به من سوريا، فقط اذا وقّع على بيع ارضه. وقد عدّد له اسماء بعض اقاربه وجيرانه الذين قاموا بالبيع والقبض. رفض جدي. وعندما دار ظهره قال للمتعاون: ما بدي اشوفوا.. مثلي مثل اللي راحوا اولادهم..!
الآن من السويد يأتي خبر موت عمي.. موته المنتفخ، حيث كان الانتفاخ مرافقاً للخوف والذعر والجوع والحصار والغربة وخيبة الأمل. انتفخ من ضجر السنوات وتساقط أوراق العمر على ساحل اللجوء.. انتفخ وحيداً في ليل صاخب. تركوه وحيداً يواجه خيبته التي حملها طوال عمره.
حاولت نقل صورة الانتفاخ وخيبة الأمل والوحدة لوالدي وأعمامي.. لم استطع. أما هم فقد نصبوا خيمة العزاء..!


Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/include.php on line 0

اضافة تعليق

الاسم الشخصي *

 

المنطقة / البلدة

البريد الالكتروني

 

عنوان التعليق *

 

التعليق *

 


Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/ARA_load.php on line 0
الصفحة الاولى | الاعلان في الموقع | اتصلوا بنا |                                                                                                                                                                                               Powered By ARASTAR