شوقية عروق منصور: يعلون يعلن المسلسل الرمضاني الطريق الى المقاومة

التاريخ : 2015-07-04 09:20:09 |

وأخيراً يجد المسلسل والبرنامج العربي في شهر رمضان له منصة يقف عليها مفتخراً، مبتسماً، منتشياً، نافشاً ريشه الملون، بدلاً من غربته واشاعات بؤسه وعدم تأثيره على المشاهدين. أخيراً ستجد أموال المنتجين الذين صرفوا على البرامج والمسلسلات في ساحة العز، وسيرقصون طرباً ويغنون: "ها نحن نؤثر على المشاهدين ، وتباً للنقاد الذين يحاولون قطع أرزاقنا وخسارتنا بنقدهم الذي يريد وقف مشاريعنا التخديرية"..!!
ها هي الديكورات الفاخرة، والقصور العامرة، والأثاث المستورد من الدول العالمية، والثياب من أفخر الشركات، والمكياج الصارخ والاكسسوارات.. عندما نشاهد هذا جميعه في المسلسلات والبرامج العربية نشعر كأننا نعيش في أجواء مريحة وثراء فاحش، لا نمت بصلة الى حروب والاقتتال والدمار والطائفية والفقر والجهل والهروب من الأوطان، واللجوء والتشرد والتوسل، والخيام التي أصبحت عناوين ثابتة لثلاثة أرباع المهجرين من دولهم العربية..!
أضحكني وزير الدفاع الاسرائيلي يعلون، الذي أعلن بكل جديته ومعرفته وعمقه في الأمور العسكرية والسياسية ، أن مسلسلات وبرامج رمضان مسؤولة عن عمليات المقاومة في فلسطين التي جرت مؤخراً في بعض المناطق في الضفة والقطاع. لا أعرف كيف يمكن لوزير دفاع أن تسول له نفسه اصدار هذا التصريح..؟ كأن المواطن الفلسطيني القابع تحت الاحتلال، الذي ينام وهو يتوقع المداهمات الليلية وكوابيس المستوطنين الذين سيقومون بتخريب محاصيله من المزروعات، أو يحاول تدبير أموره المالية كي يقوم بزيارة ابنه في السجن ، ويفيق على مصادرة الأراضي واقامة المستوطنات والحواجز العسكرية والغلاء المستشري والبطالة التي تنخر عظامه، كل هذا وضعه يعلون في الخلفية السياسية وعقليته المتحجرة وأغلق عليها، ووقف يقول: المسلسلات والبرامج الرمضانية هي السبب ..!!
ماذا يعرف يعلون عن ثقافة المسلسلات والبرامج العربية التي تتسلق الفضائيات؟! هل يعرف أنها تدور في الفلك التجاري والغرائزي دون الوصول الى عمق المعاناة الفلسطينية و العربية ؟! هل يعرف أن القابضين على الفضائيات العربية والممولين يعبثون بالعقل العربي عبر هذه البرامج والمسلسلات السطحية المخدرة، التي تضع السم في العسل، وتوجه رسائلها الى الغريزة العربية التي وضعت على سُلم الاستراتيجية جلب أشهر المنومين المغناطسيين، حتى تبقى الشعوب نائمة..؟!
حتى لو حاول هذا الوزير اضفاء تهمة كره اليهود ومقاومتهم على المسلسلات والبرامج في شهر رمضان، فليعلن أين هي هذه البرامج، حتى نتحقق من أي حضن منتج وإعلامي خرجت..! المنتج العربي يعرف أن المسلسل الذي له البريق السياسي لا بد أن يوافق عليه من فوق، وفوق حاكم لا يريد أن يتحول الى جسر تمر عليه شرف الكلمة والرأي السياسي الواعي ويفتح عيون الشعب. فنخن نعرف أن هناك رقابة في كل دولة عربية على الفيلم والمسلسل والبرنامج القادم من الخارج. فكيف اذن ستكون الرقابة على الفيلم أو المسلسل من الداخل؟! حتى مسلسل المصري "حارة اليهود" الذي يعرض الآن لم يخرج عن سكة قطار الحنان والرؤية التاريخية الحريرية، بل بالعكس منح اليهود صفة الجمال والنظافة والاستقرار والشياكة والبيوت الفخمة. وهناك بعض الفنانين المصريين، مثلا الفنانة هالة صدقي وفي مقابلة معها مع المذيع وائل الأبراشي قالت ان "اليهود عاشوا معنا وكانوا كويسين، وهم يوماً ما كانوا رافعين الاقتصاد المصري". وفي مسلسل "باب الحارة"، العقيد معتز، الذي أحبته الجماهير العربية ومنحوه صفة القائد والزعيم الكبير، يحب سارة الفتاة اليهودية، والمخرج بسام الملا يصور البيت اليهودي بيتا هادئا، ويساعد في عملية المقاومة ضد الفرنسيين..!
فأي البرامج التي فيها تحريض على المقاومة، أيها الوزير؟! ألا تعرف أن الفضائيات العربية ساهمت في قتل العقل العربي عبر تجهيله وحصره في خانات البرامج الساذجة..؟! ها هو برنامج "رامز واكل الجو" يدفع الملايين لضيوف يمرون بلحظات يمر بها الآن أصغر طفل سوري أو عراقي أو ليبي أو يمني، لحظة الاقتراب من الموت. برنامج يأتي بمشهورين لم يمنحوا البشرية سوى التهريج الأجوف ويدفع لهم مبالغ طائلة. وعلى سبيل المثال دفع للممثلة وصاحبة شبكة فنادق هيلتون، باريس هلتون، 250 الف دولار، ورغم ذلك ستقوم برفع دعوى ضد البرنامج. نعم، 250 الف دولار يستطيع دفعهما منتج البرنامج الى كم عائلة عربية مشردة، تتوسل الإعانات؟! هذا عدا المصاريف الباهظة الأخرى. ومثل هذا البرنامج هناك الكثير منه في رمضان وباقي أيام السنة.
أطمئن، يا وزير الدفاع.. المشاهد العربي لن يخرج شاهراً سيفه تأثراً بفيلم أو مسلسل، والمشاهد الفلسطيني يعيش يومياً برنامج عذابه ومسلسله الاحتلالي الطويل، ولو دخل به موسوعة غينس لأغلق غينس صفحاته..!
وأخيرا على وزير الدفاع يعلون تسمية الأبن باسمه: احتلال..! هذا هو الدافع الأول والأخير للمقاومة والعمليات التي يقومون بها، وليس المسلسلات البرامج الرمضانية. خيّط بمسلّة الحقيقة، وليس بإبرة الخيال..!!