الشيخ د. مشهور فواز: مصارحات فقهية اجتماعية من منظور مقاصدي: رسالة إلى كلّ معدّد أو تحدّثه نفسه بالتعدد

التاريخ : 2015-11-21 13:21:08 |

نظرت إلى ما آلت إليه بيوت المعددين من الضياع والخراب ونظرت بالمقابل إلى النّظرة السّطحية لمبدأ التعدد لدى بعض الدعاة والوعاظ والمفتين فرأيت من الضرورة بمكان أن أضع النّقاط على الحروف في مسألة التّعدد كي لا يُستغل الدّين ولا يساء فهمه وتطبيقه عسى أن يُكتب لهذه الكلمات القبول وتنير الافهام والعقول، راجياً بذلك انقاذ الأسر والبيوت من آفة التفكك والانحراف.

1. اعلم أخي الحبيب أنّ التعدد ليس بواجب ولا بسنة وإنّما هو مباح من المباحات بل قال الشّافعية والحنابلة يسنّ الاقتصار على واحدة إلاّ لحاجة ظاهرة.

2. إنّ التعدد شرع لمصلحة المرأة والبيت والأسرة بالدرجة الأولى فمن حصل لديه أدنى ظنّ بأنّه سيعود على الأسرة بالضرر فلا يُقدم على هذا المشروع وإنّما ينبغي أن يضحي من أجل أسرته ولا يكن أنانيا في رغباته فهنيئا لمن صبر من أجل أن يرسم ابتسامة على وجه زوجته أو ابنه أو ابنته فقد جاء في الحديث: "من أدخل السرور على أهله دخل الجنة".
فالتعدد شرع لحل مشكلات أخلاقية واجتماعية واقتصادية وسياسية فإن عاد بالضرر على المستوى الأخلاقي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي.
فالمشكلة حينئذ ليست في أصل الحكم والتشريع وإنّما المشكلة في ذات المعدد أو المجتمع المحيط وبالتالي فيمنع التّعدد بحق هذا الفرد ومن شاكله. فالتعدد ليس فرضاً ولا سنة كما سبق بل هو مباح ومن المقرر فقهياً أنّ المباح إذا أفضى إلى مفسدة فإنّه يمنع شرعاً عملاً بقاعدة سدّ الذرائع التّي تعتبر أصلاً من أصول الأحكام الفقهية. وتقدير ذلك يعود بالطبع حصراً وقصراً للفقهاء الثقات وباستشارة ذوي الخبرة والاختصاص وليس لتحليل الساسة وأهواء النّاس!!

3. إنّ الثقافة المحيطة والمجتمع لا يساهم في في تحقيق المقاصد الشرعية السّنية العادلة من وراء التعدد بل يساهم بعكس ذلك تماماً حتى بات التعدد أداة هدم بدلا من أن يكون أداة بناء وليس هنالك ظلم أكبر من أن يضيّع المرء من يعول.

4. إذا كان الشرع قد أباح التعدد فإنّه بالمقابل قد أوجب مراعاة نفسية المرأة وأعذرها بما يصدر عنها من تصرفات في حال استحكام الغيرة عليها لذا قال أهل العلم قاطبة: "لا تؤاخذ الغيراء بما يصدر منها لأنّها في تلك الحالة يكون عقلها محجوباً بشدة الغضب الذّي أثارته الغيرة".
وبناء عليه من ليس متحققا بخلق الحكمة والمداراة والصبر فلا يطرق هذا الباب أصلاً، فإنّ المعدّد لا بدّ أن يكون كطبيب نفسي وإلاّ فسيضّيّع بيتيه.
ولكن لو وقع القدر وتزوج الزوج بزوجة ثانية فما المطلوب حينئذ من الزوجين وبالدرجة الأولى الزوج:
1. يجب على الزوج مراعاة نفسية ومشاعر الزوجة لدرجة لو قلنا أن يُغمرها بالمشاعر أضعاف أضعاف ما كان عليه قبل التعدد لما كنت مبالغاً وذلك حتى يعينها على القبول أو على الأقل التّحمل، ولكن للأسف ما نراه على أرض الواقع عكس ذلك تماماً.
2. لا بدّ أن يزداد الزوج من البيت الأول قرباً وعطاءً وحنواً وعطفاً وجوداً وكرماً وانفاقاً وتوسعةً كي لا يشعر الأبناء أنّهم فقدوا والدهم، والذي نراه على أرض الواقع عكس ذلك تماماً، حيث تتحول اهتمامات الزوج للبيت الجديد لدرجة أنّه قد ينسى البيت الأول أو يهمله.

3. إيّاك إيّاك أيّها الزوج أن تقارن واقع بيتك بواقع بيت غيرك فلكل ظروفه الخاصة والمرأة تختلف من أخرى بقوة التحمل والتأقلم، وكما قيل البيوت أسرار.

وأمّا أنت أيّتها الزوجة فيجب عليك ما يلي:
أولا: أن تُصَبِري نفسك وأن تعملي على تجنب كلّ ما يثير غيرتك وكوامن نفسك.
ثانياً: التغافل قدر الامكان والاستشعار بزوال هذه الدّنيا وضعي الآخرة هدفك الأسمى.
ثالثاً: الاستشعار بأنّ الصبر عبادة والتضحية من أجل الأولاد عبادة ومجاهدة النفس عبادة.
رابعا: المواظبة على الدعاء بتثبيت القلب والتغلب على هواجس النّفس.
كما وأوصي كلا الزوجين بالتنازل ولو اعتقد كلّ منهما على حق من أجل مصلحة الأولاد والمطالب الأول بذلك هو الزوج.. كما وأوصي كلا الزوجين باللجوء الفوري لمستشار أو مستشارة اجتماعية ثقة كي يتمكن كلّ منهما من الحصول على آليات وأدوات التعامل والتعايش مع الواقع الجديد.
وأختم بهذه النّصيحة لكل من تحدثه نفسه بالإقدام على التّعدد وأقول: إنّ الزّمان الذّي نعيشه والظروف التّي تحيط بنا تجعلنا لا نشجّع على التعدد ولو تذرع البعض بانتشار ظاهرة العنوسة والطلاق وكثرة الأرامل والفتن ونحو ذلك، فإنّ الضرر لا يزال بالضرر، وأؤكّد مرة أخرى أنّ الضرر ليس في أصل الحكم وهو التعدد وإنّما الضرر ناتج عن سوء تطبيق واستعمال رخصة التعدد نظراً لما ذكرت أعلاه.. وينبغي البحث عن خطوات أخرى عملية لمعالجة ظواهر الطلاق والخيانة وايجاد حلول واقعية للارامل والمطلقات.

وأخيراً أقول لكل زوج ارض بما قسم لك تكن أغنى النّاس ولا تكن سبباً في فتنة زوجتك وأبنائك وبناتك فقد نهينا أن نكون سبباً في فتنة مسلم أو نقص دينه.. وإيّاك إيّاك إيّاك أن تدفع بولدك نحو العقوق..!!