الدكتور الشيخ ضرغام صالح: قِرَاءَةٌ في أَحَادِيث الفِتَنِ وَالمَلَاحِم

التاريخ : 2016-02-03 10:32:36 |

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد الهادي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أمَّا بعدُ:
اخوتي أخواتي من المتصفحين والقارئين، تعالوا بنا لنجدد اللقاء في قراءة بعض الأحاديث التي تلمح عن ابتداء ظهور الفتن من العراق، وكثرتها فيه، وفيما يليه من المشرق، لنذكر الأحاديث الواردة بما لها علاقة مباشرة في ظهور الفتن من العراق، مع ذكر أقوال العلماء الذين يفسرون ويقرؤون أحاديث الفتن، وأسجلُ هنا جملة واسعة من أحاديث رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في ذلك.
• وعليه أذكر في هذا المقام حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (رَأْسُ الْكُفْرِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلاَءُ فِي أَهْلِ الْخَيْلِ وَالإِبِلِ وَالْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ). رواه الشيخان.
• وقَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ مَا أَسْأَلَكُمْ عَنِ الصَّغِيرَةِ وَأَرْكَبَكُمْ لِلْكَبِيرَةِ، سَمِعْتُ أَبِى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِنَّ الْفِتْنَةَ تَجِيءُ مِنْ هَا هُنَا). وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ. وَأَنْتُمْ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ وَإِنَّمَا قَتَلَ مُوسَى الَّذِى قَتَلَ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ خَطَأً فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ: (وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا). ورواه مسلم. ورواه الإمام أحمد، قال: (أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا عِنْدَ بَابِ عَائِشَةَ).
وفي هذه الرواية فائدة جليلة، وهي البيان بأن منشأ الفتن من جهة العراق.
• وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مِنْ هَاهُنَا جَاءَتِ الْفِتَنُ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَالْجَفَاءُ وَغِلَظُ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ). رواه البخاري.
• وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا، قَالَ: فَقَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا، قَالَ: فَقَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ: هُنَالِكَ الزَّلازِلُ وَالْفِتَنُ، وَمِنْهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّ بِهَا تِسْعَةَ أَعْشَارِ السِّحْرِ، وَبِهَا فَسَقَةُ الْجِنِّ، وَبِهَا الدَّاءُ الْعُضَالُ، وَإِنَّ الْجَفَاءَ بِالْمَشْرِقِ. رواه الموطأ وأبو يعلى.
فالمراد بذلك كله أرض العراق وما يليه من المشرق.
• وعن معمر عن ابن طاوس عن أبيه؛ قال: "أراد عمر رضي الله عنه أن يسكن العراق، فقال له كعب: لا تفعل؛ فإن فيها الدجال، وبها مردة الجن، وبها تسعة أعشار السحر، وبها كل داء عضال"؛ يعني: الأهواء. رواه عبد الرزاق.
• قال الخطابي: " (القرن): الأمة من الناس يحدثون بعد فناء آخرين، وقرن الحية: أن يضرب المثل فيما لا يحمد من الأمور".
• ونقله عنه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"؛ قال: "وقال غيره: كان أهل المشرق يومئذ أهل كفر، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الفتنة تكون من تلك الناحية، فكان كما أخبر، وأول الفتن كان من قبل المشرق، فكان ذلك سببا للفرقة بين المسلمين، وذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به. وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة.
• وقال الخطابي: نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة؛ كان نجد بادية العراق ونواحيها، وهي مشرق أهل المدينة، وأصل نجد ما ارتفع من الأرض، وهو خلاف الغور؛ فإنه ما انخفض منها.
• وقد وقع مصداق ذلك، فكان قتل عثمان رضي الله عنه على أيدي أهل العراق ومن مالأهم من أجلاف أهل مصر، وبقتله انفتح باب الفتن إلى يوم القيامة. وكانت في العراق أيضا وقعة الجمل وصفين وقتل فيه الحسين بن علي رضي الله عنهما وأصحابه. وكانت فيه أيضا فتنة المختار وفتنة الحجاج وغير ذلك من الفتن العظيمة. وكذلك كانت فتنة بني العباس ودعاتهم في العراق وخراسان. وكذلك فتن الأهواء المضلة؛ فكلها ظهرت أول ما ظهرت بأرض العراق؛ كفتنة الخوارج، والرافضة، والقدرية، والمرجئة، والمعتزلة، والجهمية، ثم انتشرت بعد ذلك في أرجاء الأرض، وآخر ذلك فتنة المسيح الدجال، وهي أعظم فتنة تكون على وجه الأرض، وقد جاء في بعض الأحاديث: أنه يخرج من خراسان، وفي بعضها: أنه يخرج من العراق.
• وعلى هذا؛ فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أراد بقوله: (قَرْنَي الشَّيْطَانِ): أول الفتن وآخرها وما بين ذلك من الفتن العظيمة، ويحتمل أنه أراد بذلك فتنة الهرج وفتنة الأهواء المضلة. والله أعلم بمراد رسوله صلى الله عليه وسلم.
• هذا وبالله التوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.