عمار محاميد: قهوة سوداء..!

التاريخ : 2016-08-23 20:33:10 |

انا وذاك الانتظار لسنا بصحبة ..فاني اكره الانتظار المباغت الهافت لاغنيتي الساذجة ..اداعب وقتي دوما لخير ما عهدته الا ثمينا..احتسي قهوتي قبل الفجر المنازع لثوب الليل واجالس ما تبقى لي من ذكريات جميلة هذا انا لزمني احترم لكن من يقدر فكري كي يجالسني دون عصبية وغضب .فالتخلف عن موعد الا هو نزع الثقة ما بين الثانية ودقائق الشحن القاطعة.

قال لي سيأتي وان اكون جاهزا . ان امنع نفسي من الضحك واكبت كل الطرائف واهمشها ..لا بأس ان لبست الاسود ذاك اللون القاتم الدال على نهاية الالوان .لكنه نسي ان الاسود سيد الالوان . وسر القمر بالوشوشات الواشية.فنجاني القهوة اصابته البرودة وتيمم بسخونة الموقف وحتى الان لم يشرف الاخ . انتظرني الساعة الساسة .قلت له : _ ما بالك الوقت متقدم
رد علي بحنكة وتخطيط وقال :- الطريق ليست ملكنا فلنصل متقدمين ونترك زمن طيب كي لا يسدلنا الليل بحلكته ..كانت المفاجئة كبيرة ..احمد صديقي الخائن لوقته يكلمني عن عهد الوفاء لزمنه وموافاته للمواعيد الذي لا اذكر يوما انه تم لي بعهد الا والانتظار حليفي وصديقي.
خمس دقائق عنده ساعة .. والساعة كمن تاه بيومه . ويأتيك والعصبية اخته . وجه عبوس . نفرات بكلام وكأنني انا من تخلف عن موعده . لسان لبق وحاد وكذب ملون ميسر ..واضحك عليه دوما يا كذاب ..واشتمه برقة وحنان وبعض الركات حتى يفك التمثيلية التي أوى اليها ..
لم يبق الا خمس دقائق لتعلن نفير السادسة .والاخ لم يشرف . اداعب الوتر بالاناء مثقوب كي ينحدر الماء منه لورد الصباح واقلع كل عشب ضار تمرد على حذعه تارة اخرى . ويبظأ هدير كدق ناقوس الوغي بحينه ، ها قد اتى الفتى . مركبة وكأنها مدرعة سوداء مقفعة .ببابين من امام ذات مقدمة منخفضة تشعر انها صنعت كي تقبل الاديم والغبار .يسابق الظلال ويخلع صوت السير كنفاذة تقصف موقعا للعدو . من مسافة بعيدة فتح البوق فرأني جليسا على الشرفة الشفافة ويده للتلويح مهرولة حتى ظننت انها انطلقت نحوي لشدة الشيط ..لملمت انفاسي وكوب القهوة المسكين كي اعطيه لاحمد .صديق العمر والجار السابق ..بإقل من دقيقة كنت قد التزمت مقعدي بمركبته الفخمة . قدمته له كوب القهوة فنظر الي وقال:-
ما هذه الحارة كيف تسكنون بها . انها لضيقة ؟
قالها بإشمئزاز مطرف ونفخة مقززة رددت عليه الجملة وقلت اشرب قهوتك ايها الابله .انت تتكلم معي ..مع صديقك يوسف .ابن حارتك القديمة .ام ان المال اغشى عينيك فلم تعد ترى غير الحارات المزخرفة بالاضواء .والشوارع الوسيعة فلا يضيق قلبك صديقي .خوفا من ترهل العادات عليك فتصبح بلا اصل ..نسيت هذه قهوة امي التي تعودت عليها .ام ان ذوقك اليوم اسبريسيو المقام يا ابن ابي طحينة ...ضحك كثيرا وقال اما زلت تذكر اسم العائلة القديمة ايضا .قلت ..ولم لا يا ابن ابي الذهب حاليا . انفجر بالضحك وضربني على رجلي وقال ..
هل تعلم اين نحن عازمون الان ...
قلت :- لا ..لكنني اعتقد ان مشوارنا لعزاء ..
قال احمد بتعجرف ..لكنه عزاء احد الاثرياء ..مثلنا ..
قلت.. اللهم دمها من نعمة . علينا ..
فقاطعني وقال ..علينا نعم ..لكن اثرياء من الطبقات العالية . ابن مصنع الحديد ..توفى وقد وقعت على رأسه قطعة حديد كبيرة .رحمه الله كان جوابي اذا المشترك بين الغني والمفلس والفقير هو الموت ..نظر الي وقال لربما ..لكن اين يدفن هل تعلم ؟ بمقابر فخمة .وشواهد شامخة اما الفقراء ببضع حجارة والسلام ختام ..اسمع التزم الصمت والكبرياء ..وانفخ جسدك كأنك باشا .
نظر الى ملابسي وقال ..لا بأس بملابسك سوداء تليق بالعزاء رغم انها ليست من الماركات العالمية ..
احببت الازدراء المخخ منه الا ما لبث وان انهى كلامه حتى لكمته بضربة على بطنه وقلت له ..
قد بصمت يا ابله ..صنعت نفسك اغا او باشا .يا ساقط بمادة الانسانية والاقتصاد ..ضحك وبدأ بمشاكسة الريح بسرعة وبعد دقائق معدودة قال وصلنا ..نزل بوقار والجل يجلجل نواحيه . تنحنح وهيأ ربطة عنقة ودخل الى السرادق .انا جنبه اقاوم النظرات الثاقبة حولي ..اقترب مني احمد وقال اظن ان الذي يلبس اسود في النهاية هو اب المفقود سالته بغضب وهل انت لست عالما من ابيه ..قال لي ..صدقا لا اعلم فقد قرأت بالنت نعيا ..وحفاظا على سلالتي العريقة جئت هنا
قلت له نفاقا اذا ..قال لي ..لا مجرد برستيج ..
كدت انفجر من الغيظ لذاك الخبر فكظمت ما تبقى منه . جلسنا جانب رجل لا اعرفه في مكان لا اعلمه واحمد يضع رجلا على رجل متكتف الايادي صامت بأنفاس خافتة . للحظة قال احمد للرجل رحمه .. البقاء لله
هز الرجل رأسه وقال .سلمت يا بني ..
كانت الرجال تاتي وتروح تسلم والقهوة السوداء المرة تجوب الافواه .كطنين النحل بأصوات منخفضة . الافواه تداعب الاذان بالنجوى . شربنا السادة فرددت القول رحمه الله ..رد علي الفتى مقدم القهوة . رحمها الله
صمت ولم انطق ببنت شفة .. غمزت احمد وقلت له اظن ان الساقي هذا ابله . قلت له يرحمه الله فقال رحمها الله .اشفاه الله . احتبس احمد ضحكة لولا ستر الله
لكانت فضيحة وعليها شهود ..اقترب احمد من الرجل بالبدلة السودلء وهز رأسه بحزن وقال رحمه كان طيبا كريما والكل في ذكره .متواضعا رغم يسر حاله صدوقا .نظر الرجل له وقال عذرا يا بني لم افهم ما قصدك ..واين اتجاه كلامك قلت ..ابنك المرحوم الطيب..
قال انا لست متزوجا ..رد احمد وقال الست والد الفقيد
قال الرجل الم تسمع انا لست متزوجا وليس لي ابناء ولم يمت لي احد وانا هنا ضيف
نظرت لاحمد وقلت للرجل اذا لمن هذا العزاء
قال الرجل هذه جارتنا . مسكينة لها كوخ صغير ماتت ولم يدر عنها احد .الا بخروج رائحة الموت وها انا هنا اقوم بالواجب لاجلها
نطقنا انا واحمد نفس الجواب المرحومة ..قال نعم هي امراة مسكينة . والفقيد ابن صاحب مصنع الحديد قال البارحة انتهى واليوم بدأ هذا العزاء الجديد ..رحمها الله ..قمت وجلست جانب احمد وقلت له ما رايك بالقهوة السوداء هي تليق بكافة البشر ..طأطأ رأسه وقال ربما ..