www.almasar.co.il
 
 

شوقية عروق منصور: الطيران في سماء غزة

عندما زرت مدينة غزة في التسعينات وتجولت في شوارعها العريضة ودكاكينها...

شوقية عروق منصور: بين الموت والموت في غزة هناك "فتحي غبن" سيد الفن التشكيلي

لا تستطيع الكلمات الانحناء وفرش سجاجيد اللقاء والجلوس على وبر الخضوع...

شوقية عروق منصور: الغزيات الماجدات!

في أزقة غزة ناب وقلب وفي طرقات رفح رماد سفن وجرافات زمن تجرف وجع الحب...

لينا ابو مخ/ الزواج المبكر بين القانون والمجتمع

اعتبرت المرأة في طور أول من تاريخها، أما في المقام الاول، اي تلك التي...

منحة 23 ألف شيقل عند بلوغ سن 21 هدية من الدولة

علم مراسل موقع وصحيفة "المسار" انه بتداء من شهر كانون الثاني 2017 ستقوم...

عطر 2020 من Montblanc للرجال

تقدم دار العطور الفرنسية Montblanc عطر Legend Eau de Parfum، وهو إصدار أقوى وأكثر...
  هل تعتقد ان الحكومة الجديدة ستساعد في الحد من جرائم العنف في المجتمع العربي؟

نعم

لا

لا رأي لي

ام الفحم 22-32
الناصرة 31-20
بئر السبع 33-21
رامالله 32-22
عكا 29-23
يافا تل ابيب 29-24
القدس 32-18
حيفا 31-23

شوقية عروق منصور: ما زالت ذاكرتي في حقيبتي..!

التاريخ : 2016-09-03 13:46:16 |



***"لم أعرف من هو عبد الناصر، فقد كنت في الصف الثالث، لكن أمي أخذته مني قلم الحبر وقامت بإخفائه بين مصاغها الذهبي، وكانت تقول: "هذا قلم من ريحة أخوال أمي وفوقه صورة أبو خالد"...!!****

 

 

 

الألوان والأشكال والصور على الرفوف، حقائب مدرسية مرتبة بطريقة مغرية، كطائر قادم من سماء متلبدة. وقفت وأخذت أتأمل هذا المحيط من تناسل الأشكال من الحقائب، والتي جميعها كانت تهطل من سماء التجارة على ظهر الطالب الذي سينبت فوقه سنابل الأبجدية لتعطي خبز التعلم.
للحقائب رائحة، ليس رائحة الجلد المخلوط بعبق الدهان والألوان وأنامل مصممي الحقائب، لكن رائحة الماضي الذي ركع على ركبتيه، وقدم الولاء للعمر الذي ما زال ينحني على وقع السنوات. ها هي حقيبتي المدرسية تطل من بين ركام الحقائب، ليست ملونة، وليست محاطة بخيوط وأقفال وأسلاك ودبابيس وأشرطة، بل هي حقيبة مصابة بمرض الوراثة. لقد اشتراها جدي لخالي الطالب المتفوق من سوق حيفا، عندما كان جدي يعمل جندياً في الجيش البريطاني. وبعد عام 48 فقدت الحقيبة، ولكن وجدتها جدتي فوق السدة بعد سنوات طويلة، فقامت بمسحها بزيت الزيتون، حتى أصبح لمعانها يلفت النظر.
بعد سنوات طويلة من استعمالها، قام خالي بالتخلي عنها، فأخذها خالي الأصغر. وبعد أن انتهي خالي من دراسته حتى الصف الثامن، قامت جدتي بلفّها بقطعة قماش ودسّتها مع الأغراض على السدة، التي هدمت بعد ذلك بحجة أن السدة موضة البيوت القديمة..!
دخلت المدرسة، وفي الصف الثالث كانت الحقيبة قد نزلت عن السدة، بعد أن تذكرت أمي وشهقت جدتي فرحة لأن ذاكرة أمي قد ركضت في سباق مع الإهمال، وها هي أمامي . جوانبها مفتوحة، علينا بالخيّاطة. وضعتها أمي في كيس ورق وقالت: اذهبي الى الكندرجي عمك "أبو ناصر" في سوق الناصرة القديم، حيث يقع محله على تلة. وكان عليّ أن أصعد عدة درجات حتى أصل الى غرفته الضيقة المليئة بالأحذية القديمة والحقائب الممزقة التي تنتظر الخياطة والترقيع والتصليح.
صعدت الدرجات وإذ بالعشرات ينتظرون "أبو ناصر" صاحب الوجه المبتسم، حيث يستقبلك بقوله: "أهلاً عمي"..!
عدة رجال كانوا يجلسون داخل المحل على مقاعد صغيرة مصنوعة من القش، يتناولون الحديث والنكات، ونحن ننتظر "أبو ناصر"، الذي يصر دائماً على أن يصلح للنساء أولاً ثم للصغار وبعد ذلك للرجال. هذا هو دستوره.. "عيب المرا تستنّى" و"حرام الصغير يستنّى"..!
يجلس "أبو ناصر" على كرسيه وأمامه السندان، حيث يدخل الحذاء في لسان السندان الحديد ، ثم يضع عشرات المسامير الصغيرة في فمه، ويبدأ في عملية سريعة ومتقنه بإخراج المسامير من فمه ودقّها في نعل الحذاء، وبسرعة قصوى يزنر النعل بالمسامير، ويناول الحذاء للزبون، وأنا أنظر الى فمه متسائلة: كيف يدخل المسامير ولا يقوم ببلعها؟ رغم أنه يتكلم ويضحك ويمازح، والمسامير صامدة فوق لسانه، لا تنزل الى جوفه.
جاء دوري.. "بسلّم عليك أبوي وبقلّك خيّطلي الشنطة"، قلتها وأنا اناوله الشنطة. نظر اليّ وقال: "هاي الشنطة من زمن سيدنا نوح"..!
لم أعرف من هو نوح، لكن عندما رأيت بريق الضحك في عينيه، ابتسمت ولم أتكلم..! وضع الحقيبة في فم ماكنة الخياطة، ورأس الإبرة في منتصف الجانب الجلدي، وأضرم نيران الخيوط البيضاء فوق الجلد الأسود، وعندما انتهى ناولني إياها. رفضت، لأن الخيوط البيضاء ظهرت كأن أصابع ملوثة عبثت في بقعة نظيفة.
رفضي لأخذ الحقيبة لم يعجب "أبو ناصر"، الذي قال: "انتِ يا مقصوفة العمر بدّك تعلمّيني شغلي"..؟! أذكر أنني رفضت التحرك حتى يصلحها من جديد، وأخذ الرجال، الذين ينتظرون، يقولون له: "شغلك غلط.. لازم تصلحه"..! ابتسم وقال:"طيب". ثم قام ودهن الخيوط البيضاء بالبويا السوداء، فاختفت الخيوط وعانقت جلد الحقيبة.
بقيت معي الحقيبة حتى الصف الثامن، في وقت لم تحمل الرفوف في المكتبات الضيقة المتواجدة في مدينة الناصرة أشكالاً وألواناً من الحقائب، بل كانت تبيع الأدوات المدرسية البسيطة، القليلة. أذكر منها الدفاتر بأشكالها الكالحة، النائمة فوق الأسطر التي تحمل "اسم الطالب والموضوع والمدرسة". لكن أعترف انها في ذات الوقت كانت تحمل دف الحرص والتمسك بشيء نفيس. أما أقلام الرصاص، فكانت هي الأشجار التي نتسلق حدة بريها.. نبقى نبري رأسها بشفرة الحلاقة، حتى يصبح الرصاص كسنّ الرمح، لكي تأتي الحروف واضحة، شامخة، تنبض بقوة فوق السطور، ولكي تبهر المعلم ونحصل على نتيجة ممتاز مع نجمة، عندما كان للخط قيمته الرفيعة ومنزلته الهامة. أما أقلام الحبر، فكانت حكراً على الكبار، خاصة الرجال الذين كانوا يضعون قلم الحبر في جيب القميص على الجانب الأيمن، دلالة على العلم والمعرفة والقيمة الاجتماعية. أما الأقلام ذات الحبر الأحمر، فكانت الحلم والسحر ، ننظر الى الحبر بقدسية، نرى فيه حياتنا المستقبلية، لأن العلامات تنزل من رحمه، وغالباً ما كان الحبر لا يرحمنا..!
أول قلم حبر حملته كان هدية من جدتي، التي سافرت سراً الى مدينة جنين بعد حرب 67، حيث كانت الطرق مغلقة، لكن عبر تصريح وواسطات عدة، زارت جدتي جنين وحلّت ضيفة على أخوالها، ومن هناك جاءت بالهدايا.. الم تكن في سفر خارج الناصرة؟ ومن بين الهدايا التي حملتها في شبكتها البلاستيكية قلم حبر، اشترته خصيصاً لي وكان ملفوفاً بصفحة من جريدة، حيث قالت جدتي: "خفت يشوفوه في التفتيش"..! أذكر أنه في رأس القلم كان هناك زئبق، يميل كلما مال القلم، كأنه ماء وفي داخله صورة لجمال عبد لناصر. لم أعرف من هو عبد الناصر، فقد كنت في الصف الثالث، لكن أمي أخذته مني وقامت بإخفائه بين مصاغها الذهبي، وكانت تقول: "هذا قلم من ريحة أخوال أمي وفوقه صورة أبو خالد"..!!
نشف حبر القلم، ولم استعمله يوماً لأنه من "الممنوعات"، وبقي بين مصاغ أمي حتى اختفى.. لا أذكر أين ذهب، لكن ما زالت صورة جمال عبد الناصر وهي تتحرك شاخصة أمامي حتى اليوم...!!

 


Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/include.php on line 0

اضافة تعليق

الاسم الشخصي *

 

المنطقة / البلدة

البريد الالكتروني

 

عنوان التعليق *

 

التعليق *

 


Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/ARA_load.php on line 0
الصفحة الاولى | الاعلان في الموقع | اتصلوا بنا |                                                                                                                                                                                               Powered By ARASTAR