ومما قيل انها سابقة هي الاولى من نوعها في تاريخ جامعة الدول العربية، الامر الذي يوحي بان ما جرى هو خطوة شجاعة وجبارة قام بها نائب عربي في الكنيست الاسرائيلي. ومما يعطي هذا الاحساس ان نص الكلمة كان امتدادا لما نسمعه من نوابنا العرب بخصوص المواضيع، التي تطرق اليها السيد احمد الطيبي. ولكي لا يثير حوله جدلا لم يسافر باسم القائمة المشتركة، رغم اصطحابه للدكتور جمال زحالقة الذي يبدو انه كان مسرورا هو الآخر من هذا الظهور امام وزراء الخارجية المجتمعين في القاهرة. وقد بدأ الدكتور الطيبي كلامه بانه يتحدث باسم لجنة القدس في الداخل. والطيبي كما نعلم - بغض النظر عن اي شيء آخر - هو سياسي محنك، ويلعبها على كافة الوجوه. وهذا سر بقائه نائبا طيلة كل هذه السنين، وربما لسنوات قادمة قد تطول او تقصر.

واود ان اقول في البداية انني لا اختلف مع الدكتور احمد الطيبي على مضمون خطابه، وفحوى كلمته. فهذا الحديث يتردد عندنا صباح مساء. كذلك من حقه ان يذهب الى اي مكان في العالم ليقول كلمته كما يريد، فلست من اولئك الذين يقيدون الآخرين، ويحدون من نشاطهم كما يرتأون. فالحرية حق للجميع ولا تتجزأ، لكن من حقنا ان نسأل ونتساءل: ولماذا في هذا الوقت بالذات؟! وللإنصاف فان الوصول الى الجامعة العربية كان حلما قديما "لزعاماتنا" في لجنة المتابعة. فقد اعلن السيد محمد زيدان، رئيس لجنة المتابعة السابق، غير مرة، انه يود ان يرى مندوبا مراقبا من فلسطينيي الداخل في هذه الجامعة، التي لا ادري لماذا يركضون اليها، ويتهافتون عليها، وهي التي اصبحت في العقود الاخيرة ليس فقط عبئا ثقيلا على الامة العربية، وانما اداة عملت لتدمير كثير من البلدان العربية. أليست هي الجامعة العربية التي تآمرت على العراق، واستحضرت القوات الامريكية والبريطانية لغزوه وتدميره وحل جيشه، هذا العراق الذي يتباكون عليه اليوم ويقولون انه اصبح فريسة في يد ايران؟! وهي نفس الجامعة التي قصدها الطيبي ليشكو اليها امره وامر القدس، والتي استدعت حلف الناتو ليقضي على حكم الزعيم معمر القذافي في ليبيا. وكان ان اصبحت ليبيا، ومنذ ثماني سنوات، لا دولة ولا ما يحزنون. تحكمها ميليشيات متناحرة، بعد ان غابت الدولة المركزية التي كانت موجودة ايام القذافي. وبالرغم من تباين وجهات النظر بخصوص حكم هذا الزعيم، والجامعة التي يعتبر ظهوره فيها سابقة من نوعها، أليست هي نفس الجامعة التي تآمرت على سوريا ولا تزال، وجمدت عضويتها فيها لانهم كانوا يحلمون بان مواقف الخزي والعار التي وقفوها ستفضي الى انهيار الدولة السورية، وانهاء الحكم الوطني للرئيس بشار الاسد، خدمة للمشروع الصهيوني الامريكي المتمثل بضرب جبهة المقاومة ومحورها، من خلال تجييش هذه الجامعة ضد ايران "الشيعة"؟! وهذه الجامعة هي نفسها التي تآمرت في السابق ضد لبنان ومقاومته، ولا يخفى دورها التخريبي ضد حزب الله، في تشجيع ودعم عدوان اسرائيل وحربها على المقاومة عام 2006. وهناك اليوم تآمر هذه الجامعة ضد الشعب اليمني المظلوم، فالتحالف السعودي الذي يدمر اليمن ويقتل الابرياء من نساء وشيوخ واطفال، ويدمر البنى التحتية بما فيها المدارس والمستشفيات، هو من صلب هذه الجامعة المهترئة المسماة "جامعة الدول العربية"، والتي اصبحت عدوا لا يقل عن اعداء الامة الآخرين؟! 

لذا، لا يشرفني، يا عزيزي الدكتور احمد الطيبي، ان تذهب الى هذه الجامعة لتشكو لها امرك. كما انني اريد ان اصدقك القول اني اشتمّ رائحة غير بريئة في الظهور في هذا الوقت امام هذه الجامعة، وكأني ارى اسرائيل في زمن قريب جدا عضوا مراقبا في هذه الجامعة التي قد تتحول لاحقا الى "جامعة دول الشرق الاوسط"، لتصبح اسرائيل عضوا كامل العضوية فيها! واذا قلت انك ذهبت لكي ينصرنا الاشقاء، فنحن الذين جملنا همهم رغم خذلانهم لنا، ولن نتنكر لامتنا العربية حتى لو غدر بنا الغلمان والصبيان في الخليج. فهؤلاء عابرون كما هو حال غيرهم من العابرين. وانها لمأساة ان نذهب لاقناع العرب بعدالة قضيتنا، لأنه كان اولى بالدكتور المحترم احمد الطيبي ان يذهب الى اي مكان آخر في هذا العالم ليقول هناك ما قاله في القاهرة. وهو ما يوجع حقا حكام اسرائيل، لان انظمة الخنوع الخليجية المتحكمة في جامعة الدول العربية لا يمكن ان تتسبب في اي قلق لإسرائيل، لان السيد الامريكي جعلها خادمة لهؤلاء الحكام!

وقبل ان اضع القلم جانبا، اود ان اذكر المواطن العربي ما حدث قبل ثماني سنوات حين حطت "زعامات" الجماهير العربية على الارض الليبية، لتتملق الزعيم الليبي معمر القذافي حين كان لا يزال على ظهور خيلها، واصفين اياه بانه "ملك ملوك افريقيا". وهذه الزعامات، التي ضمت وقتها جميع التيارات بما فيها الاخوان المسلمون من الحركة الاسلامية، ما لبثت بعد اشهر قليلة حتى غيرت خطاب المديح السامي لشخص العقيد القذافي حين هرولت اليه، لتنعته بأشد العبارات قبحا، اقلها "الدكتاتور" والمتسلط". فكيف لنا بعد الآن ان نأخذ على محمل الجد مثل هذه المسرحيات والحركات الاستعراضية؟! 

نحن، وان كنا نؤمن بالعمق القومي لشعبنا الفلسطيني، الا اننا نرفض فتات هؤلاء، اذا كان هناك من يراهن على مساعدة لجماهيرنا، التي صمدت امام الاعاصير وكانت مدرسة نضالية ناجحة، رغم ظلم ذوي القربى. وسنبقى على نفس الدرب سائرين...!!