حكم الشرع في تناول جوزة الطيب

التاريخ : 2012-04-28 10:35:28 |

- ما هو اثر تناول واستعمال جوزة الطيب؟
جوزة الطيب هي عبارة عن ثمرة بنية تميل إلى الاخضرار، عليها خطوط بنية تميل إلى الحمرة. وهي بيضاوية الشكل، يبلغ طولها 2 سم وعرضها 1.5 سم تقريبا، وسميت بذلك لرائحتها الطيبة، إلا أن اسمها الحقيقي "جوز بو".
ولهذه الثمرة أثر يقوي شهية الطعام ويساعد على الهضم واستثارة المعدة وطرد الغازات منها. وتحتوي على مادة الأستركينين، التي تستعمل لتنبيه الجهاز المركزي للأعصاب، ومراكز التنفس، وتنشيط الدورة الدموية .
ويترتب على تناول 5-10 غرامات من مسحوق هذه الثمرة تسمم جسم من تناولها، وإصابته باضطرابات معوية وقيء وتشنجات ووهن وفتور وفقدان الوعي والتهيج وجفاف الفم وسرعة النبض واحمرار الوجه.
كما يترتب على الزيادة عن 10 غرامات طنين في الأذن وصمم وإمساك شديد وعسر عند التبول، وقلق واضطراب نفسي، وتقلصات عنيفة تشمل الجهاز التنفسي، فتسبب الاختناق. وقد يؤدي الإكثار منها إلى الموت، وذلك نتيجة توقف عمل الكبد. ولما لهذه الثمرة من أثر في خفة ونشاط متعاطيها ومساعدته على التخلص من الاكتئاب، فإنها تستعمل كمعوض عن الحشيش لإحداث نفس آثاره عند تعذر الحصول عليه. (انظر: حكم التداوي بالمحرمات، أد. عبد إدريس، ص104 -105).
- ما حكم استعمالها وتناولها شرعا؟
اتفق الفقهاء على حرمة تناول المقدار الذي يؤثر في العقل من جوزة الطيب، لحديث أُمِّ سَلَمَةَ قالت: "نهى عن كل مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ". رواه أبو داود (3686) بسند حسنه الحافظ في الفتح (10/44) وصححه المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير (2/475).
والفتور هو كل شراب يورث الفتور والخدر في الأطراف، وهو مقدمة السكر. وقد نهى عن شربه حتى لا يكون ذريعة إلى السكر، ونظرا لما يترتب على تناول مقدار منها أضرار كثيرة تصيب العقل والكبد وأجهزة مختلفة في الجسم، أخذا بالقاعدة الشرعية المجمع عليها "لا ضرر ولا ضرار".
واختلف الفقهاء في حكم تناول المقدار القليل منها، الذي لا يؤثر في عقل متناوله إلى قولين:
القول الأول: يحرم تناول القليل والكثير، وهذا قول النووي وابن حجر الهيتمي من فقهاء الشافعية وابن حزم الظاهري وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن عابدين من الحنفية.
انظر: (رد المحتار / 4 / 42، 5 /294، 6 / 445، 457-458) ، فتح القدير، (5/308) المجموع ( 3/8 ) فتاوى ابن تيمية (34/210،213،218)( المحلى (7/426) - الزواجر لابن حجر الهيتمي (1/212-213 ).
قال ابن حجر الهيتمي - المتوفى سنة 974 هجرية - عن جوزة الطيب: "عندما حدث نزاع فيها بين أهل الحرمين ومصر واختلفت الآراء في حلها وحرمتها طرح هذا السؤال: هل قال أحد من الأئمة أو مقلِّديهم بتحريم أكل جوزة الطيب؟
ومحصل الجواب - كما صرح به شيخ الإسلام ابن دقيق العيد - أنها مسكرة، وبالغ ابن العماد فجعل الحشيشة مقيسة عليها. وقد وافق المالكية والشافعية والحنابلة على أنها مسكرة، فتدخل تحت النص العام: "كل مسكر خمر، وكل خمر حرام". والحنفية على أنها إما مسكرة وإما مخدرة، وكل ذلك إفساد للعقل، فهي حرام على كل حال"- انتهى. (انظر: "الزواجر عن اقتراف الكبائر"1 / 212).
القول الثاني: يجوز تناول المقدار اليسير (القليل) الذي لا يؤثر في عقل متناولها. وهذا قول أبي حنيفة وكثير من أصحابه وكذلك مذهب المالكية وجمهور الشافعية.
انظر: (حاشية الطحطاوي (5/196) و رد المحتار (5 / 294، 295)، بلغة السالك (1/301)، حاشية الدسوقي (4/313)/ مواهب الجليل (1/90 (تحفة المحتاج (9/168)، حاشية البجيرمي على الإقناع (1/103)، حاشية الباجوري على شرح ابن القاسم (2/302).
قال ابن فرحون من فقهاء المالكية: "وذكر قبل هذا أن الجوزة وكثير الزعفران والبنج من المفسدات, قليلها جائز وحكمها الطهارة. وقال البرزلي أجاز بعض أئمتنا أكل القليل من جوزة الطيب لتسخين الدماغ، واشترط بعضهم أن تختلط مع الأدوية, والصواب العموم". (انظر: مواهب الجليل 1/90 ، وانظر شرح مختصر خليل للخرشي 1/ 84).
وسئل الشيخ الرملي عن أكل جوز الطيب هل يجوز أو لا؟ فأجاب: "نعم يجوز إن كان قليلا، ويحرم إن كان كثيرا". (انظر: (فتاوى الرملي 4/71).
وهذا ما توصل إليه فقهاء مؤتمر "الندوة الفقهية الطبية الثامنة": "رؤية إسلامية لبعض المشاكل الصحية- المواد المحرمة والنجسة في الغذاء والدواء" ، والمعقود بدولة الكويت، في الفترة من 22 -24 من شهر ذي الحجة 1415هـ الذي يوافقه 22 - 24 من شهر مايو 1995. وجاء في قرارات المؤتمر: "المواد المخدرة محرمة، لا يحل تناولها إلا لغرض المعالجة الطبية المتعينة، وبالمقادير التي يحددها الأطباء وهي طاهرة العين. ولا حرج في استعمال "جوزة الطيب" في إصلاح نكهة الطعام بمقادير قليلة لا تؤدي إلى التفتير أو التخدير".
وبه أفتى فضيلة الشيخ الدكتور وهبة الزحيلي: "لا مانع من استعمال القليل من جوزة الطيب لإصلاح الطعام والكعك ونحوه‏،‏ ويحرم الكثير‏؛‏ لأنها مخدِّرة". (نقلا عن موقع الإسلام سؤال وجواب).
وخلاصة الفتوى: يتبيّن ممّا سبق أنّ الفقهاء متفقون على حرمة استعمال القدر الكثير من جوزة الطيب، وهو ما يصل إلى حدّ التفتير وغياب الذّهن. وأمّا القدر القليل الذّي لا يفتّر ولا يغيّب العقل فمحل اختلاف بينهم، والأولى تجنّب ذلك احتياطاً وورعاً.